لغة مشاعر الرجال لغير الناطقين بها :
——————————————
يتواتر الحديث عن أن أقرب طريق للرجل معدته، وهذا معنى صحيح، ويُفهم بصورة خاطئة؛ فالرجل لا يحب الأكل لذات الأكل، لكنه يشعر آن تحضير زوجته لطعامه بمعنى الاهتمام، وهو في هذا يتمثل طفولته؛ حين كان الاهتمام ممثلاً في إطعام أمه له، فتأتي زوجته لتكمل المسيرة، هكذا أفهم سرور الفتاة بالورد والهدايا، فالزوج يعيدها لطفولتها ويأخذ دور أبيها الذي يشتري ويلبي ويعانق .
إذن؛ الطعام هنا معنى، كما أن الورد بالنسبة للإناث معنى؛ وليس المقصود وجود نبتة ذات خصائص حيوية معينة؛ هذا التجريد سخيف، كما أن تجريد معنى الطعام عند الرجال إلى أنه شرهٌ وبخل وتحكم في زوجته التي تطبخ= تجريد مغلوط .
ولو أدار السطحيون عجلة التفكير قليلاً لرأوا أنه لو كان حب الطعام والشره به طبيعة رجالية حيوانية= لرأيت الرجال متعلقين بطهاة المطاعم !
هذا غلط جلّيناه؛ والغلط الآخر اعتقاد النساء أنهن وحدهن يبحثن عن الأمان، فالرجال أشقائهن في هذا لكننا نتخفى، ولن يسمع الرجل نغماً أطرب على أذنيه من قول زوجته (أنا معك مهما حصل من ظروف، لأني اخترتك لنفسك لا لشيء آخر).
هنا مساحة اعتراف رجالية؛ ما منا أحدٌ -خاصة أصحاب المبادئ وهموم الإصلاح- إلا تمنى أن يسمع الكلمات التي سطرتها بنان -رحمها الله- لزوجها عصام العطار حين أصيب بالشلل :
"لا تحزن يا عصام، إنك إن عجزت عن السير سرتَ بأقدامنا، وإن عجزت عن الكتابة كتبتَ بأيدينا .. تابع طريقة الإسلامي المستقل المتميز الذي سلكتَه وآمنتَ به، فنحن معك على الدوام، نأكل معك -إن اضطررنا- الخبز اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام .
ولا أحبك وأعجب بك يا عصام لأني أرى من ورائك الناس، ولكن أحبك وعجب بك لأنك تستطيع أن تقف مع الحق على الدوام، ولو تخلى عنك من أجل ذلك أقرب الناس" (1)
هذا النص أشبه بالأشعة الضوئية النافذة، تدخل لجوف كل شاب يتعطش لسماع كلمات القبول والأمان؛ سأحدثكنّ بسر: الشباب يقرؤون نص بيان كما تنظر إحداكن لمشهد رومنسي غزير التأثير، نعم يحلمون بسماع هذا، وتأتيهم حسرات إن لم يوفقوا لسماع مثل هذا المعنى، ويشعرون -حين التذمر وغلبة الشيطان- أن زوجاتهن اللاتي معهن يحبونهم لما معهم، ولما يعطون، وأن فرص التخلي عند زوال النعمة أو خفوتها قائمة .
لستُ مثالياً، وأظنّ أني تجاوزت مرحلة إحراق القناعات بلهب المشاعر؛ لكني اليوم أكثر إيماناً بأن مسؤولية الشاب في الاختيار والتأني الرشيد كبيرة، وأننا مع تتابع الأزمات الاقتصادية في المنطقة، وتسلط الطغاة على الأحرار، وتعقيد وانفتاح الحياة= أشد تعطشاً لسماع هذا المعنى، وفي شاطئ هذا المعنى أفهم قول ابن العربي المالكي:
"وإذا لم يبعث الله سبحانه للرجل زوجة صالحة ... فإنه لا يستقيم أمره معها إلا بذهاب جزء من دينهِ، وذلك مشاهد معلوم بالتجربة"(2)
وفي توضيح المراد بصلاح الزوجة كلام يطول؛ لكن المراد أن لا يختار الشاب إلا من تعينه، فإن لم يجد فعليه بمن لا تعيقه، وإن لم؛ فما أطول شقاءه .
هذا باب لطيف في بعض أوجه مشاعر الرجال، وللحديث بقايا لا بقية؛ إن حضر الخاطر ودعت الحاجة .
ملهم الربيعي
الهوامش:
————-
(1) ترجمة بنان الطنطاوي متقاربة الألفاظ تجدها في : تتمة أعلام الزركلي، لمحمد خير رمضان يوسف ص 88-89، وعقد الجوهر، ليوسف المرعشلي ص1765-1766 .
(2) بتصرف يسير جداً؛ أحكام القرآن له (1/ 536)، ط. العلمية.
——————————————
يتواتر الحديث عن أن أقرب طريق للرجل معدته، وهذا معنى صحيح، ويُفهم بصورة خاطئة؛ فالرجل لا يحب الأكل لذات الأكل، لكنه يشعر آن تحضير زوجته لطعامه بمعنى الاهتمام، وهو في هذا يتمثل طفولته؛ حين كان الاهتمام ممثلاً في إطعام أمه له، فتأتي زوجته لتكمل المسيرة، هكذا أفهم سرور الفتاة بالورد والهدايا، فالزوج يعيدها لطفولتها ويأخذ دور أبيها الذي يشتري ويلبي ويعانق .
إذن؛ الطعام هنا معنى، كما أن الورد بالنسبة للإناث معنى؛ وليس المقصود وجود نبتة ذات خصائص حيوية معينة؛ هذا التجريد سخيف، كما أن تجريد معنى الطعام عند الرجال إلى أنه شرهٌ وبخل وتحكم في زوجته التي تطبخ= تجريد مغلوط .
ولو أدار السطحيون عجلة التفكير قليلاً لرأوا أنه لو كان حب الطعام والشره به طبيعة رجالية حيوانية= لرأيت الرجال متعلقين بطهاة المطاعم !
هذا غلط جلّيناه؛ والغلط الآخر اعتقاد النساء أنهن وحدهن يبحثن عن الأمان، فالرجال أشقائهن في هذا لكننا نتخفى، ولن يسمع الرجل نغماً أطرب على أذنيه من قول زوجته (أنا معك مهما حصل من ظروف، لأني اخترتك لنفسك لا لشيء آخر).
هنا مساحة اعتراف رجالية؛ ما منا أحدٌ -خاصة أصحاب المبادئ وهموم الإصلاح- إلا تمنى أن يسمع الكلمات التي سطرتها بنان -رحمها الله- لزوجها عصام العطار حين أصيب بالشلل :
"لا تحزن يا عصام، إنك إن عجزت عن السير سرتَ بأقدامنا، وإن عجزت عن الكتابة كتبتَ بأيدينا .. تابع طريقة الإسلامي المستقل المتميز الذي سلكتَه وآمنتَ به، فنحن معك على الدوام، نأكل معك -إن اضطررنا- الخبز اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام .
ولا أحبك وأعجب بك يا عصام لأني أرى من ورائك الناس، ولكن أحبك وعجب بك لأنك تستطيع أن تقف مع الحق على الدوام، ولو تخلى عنك من أجل ذلك أقرب الناس" (1)
هذا النص أشبه بالأشعة الضوئية النافذة، تدخل لجوف كل شاب يتعطش لسماع كلمات القبول والأمان؛ سأحدثكنّ بسر: الشباب يقرؤون نص بيان كما تنظر إحداكن لمشهد رومنسي غزير التأثير، نعم يحلمون بسماع هذا، وتأتيهم حسرات إن لم يوفقوا لسماع مثل هذا المعنى، ويشعرون -حين التذمر وغلبة الشيطان- أن زوجاتهن اللاتي معهن يحبونهم لما معهم، ولما يعطون، وأن فرص التخلي عند زوال النعمة أو خفوتها قائمة .
لستُ مثالياً، وأظنّ أني تجاوزت مرحلة إحراق القناعات بلهب المشاعر؛ لكني اليوم أكثر إيماناً بأن مسؤولية الشاب في الاختيار والتأني الرشيد كبيرة، وأننا مع تتابع الأزمات الاقتصادية في المنطقة، وتسلط الطغاة على الأحرار، وتعقيد وانفتاح الحياة= أشد تعطشاً لسماع هذا المعنى، وفي شاطئ هذا المعنى أفهم قول ابن العربي المالكي:
"وإذا لم يبعث الله سبحانه للرجل زوجة صالحة ... فإنه لا يستقيم أمره معها إلا بذهاب جزء من دينهِ، وذلك مشاهد معلوم بالتجربة"(2)
وفي توضيح المراد بصلاح الزوجة كلام يطول؛ لكن المراد أن لا يختار الشاب إلا من تعينه، فإن لم يجد فعليه بمن لا تعيقه، وإن لم؛ فما أطول شقاءه .
هذا باب لطيف في بعض أوجه مشاعر الرجال، وللحديث بقايا لا بقية؛ إن حضر الخاطر ودعت الحاجة .
ملهم الربيعي
الهوامش:
————-
(1) ترجمة بنان الطنطاوي متقاربة الألفاظ تجدها في : تتمة أعلام الزركلي، لمحمد خير رمضان يوسف ص 88-89، وعقد الجوهر، ليوسف المرعشلي ص1765-1766 .
(2) بتصرف يسير جداً؛ أحكام القرآن له (1/ 536)، ط. العلمية.
إرسال تعليق
0تعليقات